top of page
Search
  • Feras Kurdi

ولو بعد حين

مهما نجحت المنظومة الإدارية بأرباحها فإنها في خطر الانهيار ما زالت بلا قيم حقيقية. فهي إما أن تنهار بتخلي موظفيها عنها أو بفساد مسؤوليها، ولو بعد حين.


قدر الله وما شاء فعل. ساءني جداً ما شهدته اليوم في شركات جدة ومؤسساتها من تقصيرٍ واستهتارٍ بِمَا يهدد حياة الناس وأملاكهم. ومن هنا أتكلم باسم كل موظف سمح القدر لمديره وشركته أن تتحكم في مصيره وباسم كل موظف فقد عزيزاً أو فقد سيارته في السيول. ورغم أن العرف المهني يملي علينا عادة ألا نكتب بعاطفية وأن نتحلى بالموضوعية البحتة، إلا أنني أجد نفسي اليوم كعادتي أخرج عن العرف المهني وقت الأزمات والظروف الاستثنائية. إن بعض الأمور لا تحتمل الموضوعية البحتة لأن تصوير المشاكل المتفاقمة والاستثنائية يتطلب استنكاراً بقدر معاناة البشر وبشاعة المشهد ولو كان من باب الإنصاف على الأقل. 


استهترت في هذا اليوم معظم شركات القطاع الخاص وحتى البعض من المؤسسات الحكومية بالتحذير الرسمي من العاصفة الرعدية الممطرة على جدة وطالبوا موظفيهم بالحضور. بل أن بعضهم لم يسمحوا بالانصراف فور أن تبين أن الأمطار ستكون غزيرة والسحب السوداء تتراكم في منظر مهيب في سماء جدة يعرف خيفته من شهد كوارث السيول في جدة. أما البعض الآخر فلم يسمح ولو بعد حين حتى أنهم اعتبروا من انصرف إلى بيته في حكم المتغيب عن العمل. 


فعندما أرى موظفين وموظفات عالقين في وسط فيضانات شوارع جدة وهم يحاولون الوصول إلى بيوتهم مخاطرين بأرواحهم وخاسرين سياراتهم ليصلوا إلى بيوت ملأتها المياه وهم متأخرين حتى على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أثاث أو ممتلكات. فإنني أسأل وبحرقة: إلى متى ونحن نقدس الحضور وننسى الإنتاجية؟ إلى متى ونحن نقدس الطاعة  وننسى الولاء؟ وإلى متى ننسى أن حياة الإنسان أهم من تواجده بجسده ثمانية ساعات في موقع عمله؟ وهو وإن كان موجوداً وهو قلق على أهله وأصدقائه، ألسنا جميعاً متأكدين أن إنتاجيته اليوم كانت على الجوال وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ومع زملائه؟! متى ندرك ونعي؟!


هل أصبحنا بدرجة من النفاق الإداري أن يخاطر المدير بحياته وممتلكاته وحياة وممتلكات موظفيه لكي يظهر بمظهر القائد الحازم الذي لا يتراخى ولا يتوانى في العمل حتى في أحلك الظروف؟! متى تنتهي مسرحية "المداوم من ٨ الى ٨ ومدمن العمل هو البطل الخارق" بدون النظر إلى إنتاجيته وعواقب تلك القدسية من إحباط على زملائه الطبيعيين؟!


ولو افترضنا أن المالك قد تفادى خسائر مالية بمداومة موظفيه في يوم كهذا، فسؤالي لك سيدي المالك أو المدير:  لَو أتاك اليوم رجل وعرض عليك أن يبيعك أهله فهل أنت مشترٍ؟ ولماذا؟ فإن أجبت هذين السؤالين ستعرف حقيقة ما أرمي إليه! هل أنت واجد القيمة الحقيقية في من أخر أولوية أهله؟ وهل أنت أضفت قيمة اجتماعية بشرائك هذا أو عززت القيمة الاجتماعية الصحيحة؟ ليس كل ما يمكنك شراؤه صح أن تشتريه! حتى وإن كان في التجارة، بل وخصوصاً لو كان في التجارة. مهما نجحت المنظومة الإدارية بأرباحها فإنها في خطر الانهيار ما زالت بلا قيم حقيقية. فهي إما أن تنهار بتخلي موظفيها عنها أو بفساد مسؤوليها، ولو بعد حين.

15 views0 comments
bottom of page